ماذا يعلمنا أطفالنا في البزنس؟
يأتي أطفالنا على هذه الدنيا لتكون لنا فرصة ولادة جديدة، فرصة تغير وتفكر بكل جوانب الحياة، الأطفال يغيرون الكثير والكثير داخلنا كما يغيرون تفاصيل حياتنا بالخارج، مهما اختلفت درجة الوعي والثقافة والبيئة المحيطة هم يصنعون منا نسخ جديدة ولكل منا الخيار بدرجة الانتباه والتفكر التي تستغل لتصنع منا نسخ أفضل كبشر.
عمر طفلي ثلاث سنوات فقط، لكن هذه السنوات كانت كفيلة بتغيير الكثير من المفاهيم وتغيير أنماط كثيرة من التفكير والعادات التي أثرت إيجابا على نفسي وعملي وهنا أحاول أن أتفكر معكم ماذا يعلمنا ويغير فينا أطفالنا وبمشاريعنا؟
كم مرة نبهك طفلك عن نبتة موجودة على طرف الطريق؟ وعن لافتة غريبة في الشارع المقابل؟ وعن معنى كلمة ترددها لمرات عديدة بدون التعمق بمعناها أو استخدامها؟
وجود أطفالنا هو تذكير يومي بالفطرة الإنسانية الفضولية التي تحب الاكتشاف، وهو فرصة عظيمة لنا لنسعى أكثر للاكتشاف، الذي بالطبع من شأنه أن يزيد إبداعنا في حياتنا ومشاريعنا، فمن دون الملاحظة والاكتشاف "أي المدخلات الجديدة" يصعب علينا توليد الأفكار الإبداعية بالمنتجات أو الخدمات وتسويقها، فتصبح مشاريعنا كحال مئات المشاريع نسخ تتكرر بكل مكان بدون قيمة حقيقية وإبداع يميزها.
الأطفال يعطوننا فرصة لإعادة تعريف المفاهيم، فهل فكرت من قبل ما هو تعريفك الخاص للنجاح؟، وما هو هدفك وهدف مشروعك وليس هدف السوق منك؟ ما هو تعريفك لتواجدك على السوشال ميديا؟ ماذا تعني الحرية لك؟
مع كل السرعة التي نعيش بها في أيامنا فقدنا القدرة على الوقوف في كل فترة لإعادة تعريف مفاهيمنا الخاصة، فأصبحنا بغير وعي نكرر ما نسمع على السوشال ميديا وما نقرأ من كتب ومقالات دون تفكر وتمعن حقيقي بالمعاني، لكن بوجود الأطفال بحياتنا وفهمنا لأهمية الرسائل التي تصلهم نبدأ بإدراك أهمية الوقوف عند كل مفهوم وكل قيمة وكل معنى بالحياة ونسأل أنفسنا أولا عنه قبل تمريره لهم.
إعادة تعريف مفاهيمك الخاصة في البزنس يعطيك مساحة الحرية والفرادة التي سعيت لها من البداية عندما اخترت هذا الطريق من العمل لا غيره.
أفكر كثيرا أن من أصعب الأمور في التربية هي أنك تزرع وتزرع وتزرع ولا ترى نتيجة زراعتك إلا بعد فترة طويلة، فبهم نمرن عضلة الصبر وتصبح مرنة متقبلة للتغيرات أكثر ومتقبلة لفكرة النتائج المتأخرة، ويبدأ ذلك بالانعكاس تدريجيا على حياتنا، ويصبح صبرنا على تحقيق النتائج بالحياة أوعى ومنطقي أكثر.
بالبزنس نحتاج لوقت طويل حتى نرى النتائج وهذا ما لا يدركه من لم يدخل هذا المجال بعد وقت طويل، النتائج لا تتحقق من منشور سوشال ميديا أو يومين على حملة إعلانية أو ايميل دعائي، البزنس والعملاء يحتاحون منك لبناء علاقة لفترات طويلة حتى تستطيع الحصول على نتائج، هذا بجانب إيماننا بأن لا حصاد من غير زراعة وصبر وتمهل واعتناء.
وجود أطفالنا في هذه الحياة هو دعوة كل يوم لحياة بجودة أعلى وأبطئ على كل الأصعدة، فلا يمكن رعاية وتربية طفل بسرعة واستعجال دائم وتوتر، فبذلك هم يعطوننا فرصة جديدة للعمل على مشاريعنا بشكل مختلف وتحديد ساعات عملنا لتكون فرصة لنا للراحة والاستمتاع والتأمل بتفاصيل حياتنا معهم، الكثير من أصحاب المشاريع بدأت رحلتهم بالحياة البطيئة بسبب أطفالهم وانعكس ذلك على مشاريعهم فأصبحت أكثر هدوء وتأملا.
نبدأ بعد الأطفال بإدراك أن الإنجاز يتمثل بالبطئ، والاتقان لا يحدث إلا بالعمليات البطيئة وأن البزنس البطيء هو المربح وليس العكس.
ونصل لتلك النتيجة أن النجاح وتحقيق الأهداف والأحلام لا يعني أبدا العمل لساعات طويلة وعدم أخذ استراحات والعمل خلال نهاية الأسبوع، والتفاخر بعدم أخذ استراحات والسرعة بكل تفاصيل حياتنا حتى بالطعام.
أخير، أفكر كثيرا بأن من أعظم التأملات التي يهدينا إياها أطفالنا هي إتاحة المجال للاحتمالات والخيارات في حياتنا، تمت قولبتنا خلال طريقة تربيتنا وخضوعنا جميعا لنفس النظام التعليمي، لنعتقد بأن الحياة فيها طريق واحد والنجاح له طريق واحد والإنجاز له شكل واحد، وكل شيء له خيار واحد.
ولو تأملت طفلك لدقائق لتيقنت مباشرة بأنه عكس فطرتنا، الإنسان بطبعه حر يحب الخيارات لا الحصر في نطاق معين أو حتى طريقة تفكير معينة،
وهذا ينعكس بشكل مباشر على مشاريعنا، فليس هناك طريق واحد للنجاح أو للبيع، الاحتمالات والخيارات موجودة ونحن لدينا الحرية لإيجاد الطريق المناسب لنا.
أحاول دائما تذكير نفسي وعميلاتي بأن فطرتنا الإنسانية هي التي تنجح مشاريعنا وليس غير ذلك، وكلما كان لدينا الوقت والسعة للتفكر والتدقيق بما نمارس ونفعل يوميا كلما كانت حياتنا أكثر راحة وسعادة.
شاركيني رأيك