"المنافسون" هذه الكلمة التي لا تخلو منها أي جلسة استشارية أقدمها لإحدى صاحبات المشاريع، والتي يتم تناولها من جوانب مختلفة، فبعض صاحبات المشاريع تراقب منافسيها وتتبع كل ما يقومون به لدرجة تؤثر على أدائها وتشتتها وتشتت مشروعها، وبعضهن لا يعترفن بوجود أي منافس لمشاريعهن في السوق ولا يدركن ضرورة الفهم العلمي والعملي لمعنى المنافسة، وبعضهن الآخر تنشغل بالخوف من أن يسرق المنافسون أفكارها، وأن يقلدوا منتجاتها، فتتهم كل من يمتلك مشروع ويقدم نفس المنتجات بأنه يقلدها ويسرق أفكارها.
طيب لو سألنا أنفسنا بداية: لماذا توجد منافسة في السوق؟
المنافسة تعني أن هناك مشاريع يسعى كل منها لكسب عملاء الآخر، لأنهم ببساطة يقدمون نفس المنتجات أو منتجات متشابهة إلى حد كبير، وبما أن عدد العملاء محدود، فإن كسب مشروع معين لعميل، يعني أن المشاريع الأخرى خسرت هذا العميل، وبالتالي فإن كل مشروع يسعى لكسب أكبر حصة ممكنة من العملاء، وهذا يدفع المشاريع لابتكار طرق وأساليب لكسب العملاء والدخول في سباق محموم لكسب العميل، وهو ما يعني المنافسة.
هل المنافسة إيجابية أم سلبية؟
للمنافسة آثار إيجابية وآثار سلبية، فمن جوانبها الإيجابية أنها ترفع جودة الخدمات والمنتجات التي تقدمها المشاريع لأنها تسعى لتكون الأفضل بين المنافسين، وأنها أيضا تساعد في تقييم المشاريع لنفسها وتطوير أدائها، كما أنها مهمة للعملاء من حيث حصولهم على خدمة ومنتج أفضل، وأسعار تنافسية، فلو كانت خدمة أو منتج معين يقدم فقط من خلال مشروع واحد، فإن هذا المشروع سيتحكم في كل شيء بدءا من الجودة وانتهاء بالسعر، وهو ما يطلق عليه مصطلح الاحتكار.
أما الآثار السلبية على المشاريع فهي أن غالبية أصحاب المشاريع يعيشون تحت ضغط التميز عن منافسيهم، وضغط مواكبة كل جديد يتعلق في الصناعة التي يعملون بها، كما أنه للأسف قد تظهر بعض السلوكيات غير الأخلاقية أثناء المنافسة، مثل الاتهامات الكيدية للمنافسين أو تلفيق الشكاوى لهم، أو إيذائهم من خلال عرقلة عملهم بطرق مختلفة من أجل إبعادهم عن السوق والتفرد به.
كصاحبة مشروع، هل على الاهتمام بالمنافسين؟
بالطبع نعم، لكن اهتمامك بهم يجب أن يكون مبني على فهم علمي وعملي لمعنى تحليل المنافسين، فهدفك كصاحبة مشروع هو تحليل المنافسين وليس مراقبتهم حد الهوس بهم، أو إهمالهم وعدم معرفة وضعهم ووضع مشروعك في السوق.
فالخطوة الأهم في عملك كصاحبة مشروع على فهم السوق وفهم تموضع مشروعك فيه، هي تحليل المنافسين، من خلال تقسيمهم إلى:
· منافسين مباشرين
· منافسين غير مباشرين
· نماذج استلهام
وبعد تقسيمهم تأتي مرحلة التحليل من خلال معرفة النقاط التالية:
· ما هي إيجابيات ومميزات كل مشروع
· ما هي نقاط ضعف كل مشروع
أخيرا تأتي أهم نقطة في التحليل وهي معرفة وصياغة وابتكار الميز التنافسية Compititive Advantage التي ستميز مشروعك عنهم، ومعرفة نقاط تفوقك عليهم وهي ما يجعل مشروعك مميزا ويستحق أن يشتري العملاء منه، وهو ما يطلق عليه في بعض نظريات الإدارة والتسويق USPs Unique Selling Points
هل يمكن للمشاريع أن تتجنب المنافسة؟
في أشهر كتاب يتناول هذه الفكرة وهو Blue Ocean Strategy يشبه الكتاب الحالة التي يكون فيها السوق عند اشتداد المنافسة فيه بالمحيط الأحمر، وهي كناية عن الدم والعنف الشديد الموجود في هذا السوق نتيجة المنافسة الطاحنة فيه، بينما على الصعيد الآخر، هنالك المحيط الأزرق الذي لا يوجد فيه منافسة لأن المشاريع التي تدخله تكون قد دخلت لمساحات ابتكارية جديدة لم يفكر فيها أحد أو لم يسبقها إليها أحد.
لكن هل هذا المفهوم قابل للتطبيق في المشاريع الصغيرة؟
باعتقادي وبعد تعامل وتقديم استشارات لعشرات المشاريع ومئات صاحبات المشاريع، هناك مبالغة في الحديث عن تجنب المنافسة وكأنها شيء سهل التطبيق، ففي حين أن الكثير من المحتوى يركز على فكرة الانتقال للمحيط الأزرق وتجنب المنافسة، ينسى أصحاب هذه الدعوات أن الأمر غالبا يحتاج لطاقات وإمكانيات متقدمة وأهمها الحلول التكنلوجية التي يمكنها فعلا خلق مساحات جديدة من العمل للمشاريع والتي لم يسبق إليها أحد. إذن ما هو الحل؟
اصنعي قاربك الأزرق!
نصيحتي لك كصاحبة مشروع هي أن تبحثي عن تميزك عن كل المنافسين، وابدئي بالتفاصيل التي لا يهتم فيها الكثيرون، فمشكلة أصحاب المشاريع الشخصية هي أنهم يبحثون عن أفكار ضخمة قد لا تناسب مشاريعهم، بينما يتغافلون عن أن ما يمكن أن يميزهم هي طريقة مميزة في التعامل مع العملاء، أو تميز في تجربة العميل أثناء استلام الطلب، أو المتابعة معه لاحقا لسماع رأيه وتقييماته... قد تتفاجئين من هذه التفاصيل، لكنني أؤكد لك أنها ربما تكون الميزة الرئيسية التي تجعل العملاء يختارون مشروعك أنت حينما يكون هناك ٤ مشاريع مثلا تقدم نفس منتجاتك.
هذا القارب الأزرق، بالصبر والإصرار سيتحول لسفينة زرقاء متميزة، وهي من يمكن أن ينقلك فعلا للبحر الأزرق لاحقا، لكن كل ذلك يجب أن يتم بالتدريج وفقا لإمكانياتك وظروفك الشخصية وتوازنك مع مشروعك.
ختاما، مشروعك ليس منفصلا عن الواقع والسوق، وهو ما يعني أنك بحاجة لمعرفة مكانك بين جميع الموجودين، والمعرفة تعني أن بين يديك الطريقة للتميز عن السوق، وهذا تماما ما كنت أشعر به أثناء خدمات المرافقة مع المشاريع، حين تكتسب صاحبة المشروع كل الجوانب الإيجابية للمنافسة وتستطيع تحويلها لأداة تطوير وتحسين وليس لأداة خوف ومراقبة وهوس.